النزاع الرقمي: كيف تؤثّر وسائل التواصل الاجتماعي على التماسك الاجتماعي وماذا يمكننا أن نفعل بهذا الصدد

سنحاول فهم محرّكات النزاع الخاصة بفضاءات الإنترنت، مثل خطاب الكراهية والتضليل والاستقطاب (التخالف). هذا يتضمن الحديث حول طريقة انتشار الشائعات، والنقاش بخصوص التكتيكات المتبعة للتحريض على العنف على الإنترنت، وكذلك اكتشاف كيفية تأثير الديناميات الموجودة على الإنترنت على الأحداث خارج الإنترنت. سوف نناقش أيضاً الطرق المختلفة للتطرق إلى النزاع الرقمي، بما في ذلك استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لإيصال الرسائل المستهدفة وبناء حوار ووضع مدوّنات للسلوك بما يخص الإنترنت وتعزيز محو الأمية الرقمية

غالباً ما نركز في بيلد أب على العناصر الإيجابية في الربط بين التكنولوجيا والسلام، إنما لا يعني ذلك أننا نعتقد بأن التكنولوجيا إيجابية على نحو متجذّر، وأنها بطريقة ما، تؤدي تلقائياً إلى السلام أو التغيير الاجتماعي الإيجابي

في الواقع، نعلم أنّ هناك العديد من الاستخدامات السلبية والعنيفة للتكنولوجيا: كتعزيز ثقافة العنف بألعاب الفيديو، والتجنيد لصالح مجموعات مسلحة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، واستخدام تطبيقات المراسلة لنشر خطاب الكراهية، والرقابة من خلال الإنترنت من قبَل السلطات، إلخ

قد يقول البعض أنّ التكنولوجيا مجرد أداة، وأنّ ما يهمّ هو كيف نستخدمها بناءً على خيارنا. هل توجد التكنولوجيا الرقمية الظروف لخلق المزيد من الاستقطاب والخلاف و(في نهاية المطاف) العنف؟ أم أنّ التكنولوجيا الرقمية تقدم طرقاً جديدة وممتعة للتواصل وإيجاد أرض مشتركة والعمل من أجل إحداث تغيير اجتماعي إيجابي؟ نعلم جميعاً، بالخبرة والتجربة، أنّ كلاهما ممكن، لذلك ربما علينا النظر إلى التكنولوجيا الرقمية على أنها حيادية. ينبغي علينا اعتبار التكنولوجيا مجرد أداة، وما يهم هو كيف نستخدمها

إن العلاقة بين التكنولوجيا الرقمية والنزاع هو أمر معقد، فالتكنولوجيا ليست حيادية. في الواقع، لقد وجدنا العديد من الطرق التي تغير الأدوات التكنولوجية من خلالها التجربة البشرية بشكلٍ عميق

كيف لها أن تغيّر تجربتنا؟

أولاً، من خلال جمع كميات كبيرة من المعلومات حولنا — ما نفعل، وما نحب، وإلى أين نذهب، وما إلى ذلك — تستطيع التكنولوجيا استخدام قواعد آلية أو شبه آلية لاتخاذ قرارات نيابة عنا

ثانياً، ولزيادة التفاعل، يقومون باستهدافنا بمعلومات أو سرديات محددة غالباً ما نتوافق معها. إنها تعرض علينا أشخاصاً أو تجارب محددة. وهذا من شأنه أن يخلق عند كل منّا واقعاً مختلفاً ومعطيات مختلفة حسب من نكون. إضافةً إلى ذلك، وبشكلٍ أكثر تطرفاً، يميل المحتوى العنيف أو الاستقطابي إلى جذب تفاعل أكبر، تسهب الخوارزميات في عرض المحتوى الذي يحرَض على الخلاف على حساب المحتوى الحيادي

ثالثاً، من خلال استخدام (أو سوء استخدام) هذه الكميات الكبيرة من المعلومات، تمتلك الجهات الفاعلة، الهادفة لنشر الخلاف، عتاداً جديداً يضمّ أدواتاً شديدة التأثير في جعبتها. وهي أدوات يمكنها نشر المعلومات المضللة وخطابات الكراهية بشكلٍ أكثر فعالية، مستهدفةً أناساً قابلين للتجنيد لصالح العنف. أداوتٌ يمكنها أن “تصنع الإجماع”، بحيث يبدو وكأن الكثير من الناس يجتمعون على قول ما، بينما في الحقيقة لا يجتمع عليه سوى القليل منهم، مما يسهّل زيادة الخلاف في محادثة ما، ويزيد من صعوبة إيجاد أرض مشتركة

يبدو من الواضح أننا نعجز عن رؤية التكنولوجيا كأداة حيادية. عندما تجمع كل ذلك مع بعضه البعض، نجد بأنّ التكنولوجيا الرقمية تغير حوافزنا، وتؤثر على طريقتنا في خلق نقاش، وتغير كيف نبني هوياتنا. كل هذا يؤثر على كيفية وقوع النزاع. وكأن التكنولوجيا هي من يستخدمنا كأداة

إننا نحتاج إلى إدراك أنّ التكنولوجيا جزء من سياق النزاع، وأنّ هناك محركات نزاع رقمية. ومن أجل فهم كيف تصعّد محركات النزاع الرقمية الخلاف، سنبدأ بالحديث عن الاستقطاب (التخالف) العاطفي. وهي السلوكيات والتصرفات على الإنترنت التي تزيد الشقاق بين الناس ذوي الآراء المختلفة — حتى ولو لم تكن نيتهم ذلك

تحرك خصائص التكنولوجيا الخاصة بالإنترنت هذا النوع من الاستقطاب. وعلى سبيل المثال، رأينا كيف تؤدي المحادثات على وسائل التواصل الاجتماعي إلى تبسيط السرديات بحيث يعلق الأشخاص في مواقفهم، بدلاً من الحديث عن المصالح والاحتياجات. إن الاستقطاب العاطفي يؤثر علينا جميعاً، وكأنه الهواء الذي تنتفسه على الإنترنت

يستغل البعض خصائص التكنولوجيا التي تحرّك الاستقطاب العاطفي لخلق محتوى على الإنترنت بشكلٍ نشطٍ، بحيث يستهدفون به من لديهم النوايا لبناء شخصيات تؤجج لهيب الخلاف. يعجّ الإنترنت بالقبائل الرقمية التي تعارض قبائل رقمية أخرى. قد لا يؤثر ذلك على كمية الأشخاص نفسها كما الاستقطاب العاطفي، ولكنه قد يشكل قوى مؤثرة في تقسيم المجتمعات

وأخيراً، سيستخدم البعض الأدوات الرقمية لتجنيد الناس ضمن جماعات عنيفة وشبكات عقائدية. وهذا منهج أكثر استدامة وعدائية من بناء شخصيات النزاع على الإنترنت، ولكنه عادةً ما ينبثق منه

إننا، كبناة سلام، نحتاج إلى البحث في كيفية بزوغ الاستقطاب العاطفي واستقطاب الهويات والتجنيد في سياق النزاع على الإنترنت، وما هي محركات النزاع الرقمي التي يخلقها. يمكن أن يساعد ذلك في تحديد موانع النزاع ونشاطات التغيير التي تتطرق إليها بشكل مباشر

وهذا يعني أيضاً أننا بحاجة إلى النظر إلى التكنولوجيا الرقمية كفضاءٍ للعمل في بناء السلام: توجد حاجة إلى منع النزاع والتغيير في الفضاء الرقمي