العوائق البنيوية: التغلب على العوائق البنيوية: نظرة إلى مستقبلنا بصفتنا بناة سلام (رقميون)
دوماً ما تواجه جهود بيلد أب تحديات عند تطبيق قيمها والنماء في نظام يعجّ باختلال القوى ما بين أصحاب المصالح في المواجهة بين النزاع والسلام، ومطبقي مبادرات بناء السلام الرقمي الداعمين لأصحاب المصالح هؤلاء، وبين أولئك الذين يوفرون المصادر للقيام بهذا العمل. لسنا الوحيدون. هناك الكثير من الجهود المبذولة لمواجهة هذا الخلل في التوازن، ولكن لا يسلم الأمر من التناقضات، وغالباً ما تفتقر هذه الجهود إلى الوعي بالصورة الأشمل
إننا، كفاعلين في هذا المجال، في حاجة إلى أن نعي امتيازنا ومكاننا من القوة النسبية في هذه الديناميكية، كما علينا إدراك مخاطر إعادة خلق التفاوتات الموجودة حالياً من خلال توجيه الجهود لتعويضها. ولكن في نهاية المطاف، ندرك أهمية البدء بهذه المحادثات كأفراد في مجتمع بناء السلام الرقمي. يمكننا بناء بدائل واتجاهات جديدة لهذا العمل، ولكن كيف لنا ذلك؟
ما هي العوائق؟
من الضروري تسليط الضوء على العوائق البنيوية الحالية التي تشكّل تحدياً في وجه عمل بناة السلام الرقمي، وتزيد من صعوبة أن نصل إلى إمكاناتهم وتأثيرهم الكامل
حشد المصادر وتوزيعها: إنّ الطريقة التي يُعلن من خلالها عن وجود فرص للتمويل وكذلك الغاية الاستراتيجية من ورائها ليست واضحةً على الدوام بالنسبة لأولئك الذين يحتاجون هذه المصادر لدعم سعيهم نحو السلام. ما هي الفرص التي يُعلن عنها، ومتى يُعلن عنها؟ هل يوفرون مرونة كافية للسماح لمن يقفون على ناصية السلام أن يكونوا مناسبين لنيل هذه الفرص من دون المساومة على منهجهم في العمل، أو تغييره؟ هل صُنعَت هذه الفرص خصيصاً لمن هم أقرب للسياق، بغض النظر عن معرفتهم بأنظمة التبرع ومتطلباتها التي تفرض قيوداً بدورها، مثل اللغة، المفردات التقنية، وتعقيدات التقديم، والقدرة على توفير مراجع سابقة لعمل مشابه، والصلات مع منظمات أخرى كبيرة، وما إلى ذلك. يتغير مشهد تحصيل المصادر باستمرار، ولكن انطلاقاً من حيث نقف، فهي ليست ديناميكية إيجابية على الدوام
إن حقيقة أنّ استراتيجيات السلام الدولية وبرمجة دعم مبادرات بناء السلام تُوضع من قبَل من يمتلكون المصادر، لا تصلح للمشاركة في ابتكار وتصميم التدخلات. كما تصبح وجهات النظر المحلية، والتي يجب أن تكون في صميم هذه الرؤية، مجرد إضافة على الهامش: حيث يحاولون تلبية احتياجات المانحين بدلاً من أن يصبحوا مهندسين حقيقيين للتغيير الذين يرغبون في رؤيته
الامتياز على حساب المواقف: أولئك الأقرب إلى التفاعل بين السلام والنزاع ليسوا هم أنفسهم من يُمنَحون المساحة والمواقف لبناء السلام بحق. بالطريقة نفسها التي تخلق فيها فرص التمويل والمفاوضات مع جهات فاعلة أكبر العوائق أمام عمل بناء السلام الحساس للسياق، يمكن لتصميم الجهات الفاعلة نفسها للمبادرات “المملوكة محلياً” أن يساوم على التأثير. غالباً، وخاصة في بناء السلام الرقمي، ما نرى أنّ المجموعات الخارجية تضع يدها مع “الجهات الفاعلة المحلية” التي تتمتع بمستوى علمي أرفع، ومكانة اجتماعية واقتصادية أعلى، ولديها وصول أسهل إلى المهارات التي تم تأطيرها على أنها تساهم في تنفيذ مبادرات المجتمع المدني. إنّ هذه المخاطر تأخذ المشاريع والنشاطات أبعد ما يكون عن تحقيق الملكية المحلية، وتساوم على قدرات بناة السلام في المشاركة كأصحاب مصالح. غالباً ما يؤدي ذلك إلى فلترة المعلومات وتخصيص المعرفة وجعلها حكراً على القليل من الفاعلين، وبالتالي خلق عوائق حقيقية في وجه نهج جمعي ومتقاطع لبناء السلام
تحليل السياق على حساب فهم السياق: في نهاية المطاف، توجه المنظمات المعنية ببناء السلام جهودها نحو المناطق “المعرَّضة للنزاع” والتي تشهد نزاعاً، والتي غالباً ما تكون مناطق تتفشى فيها العوائق السياسية والاقتصادية بحد ذاتها: صعوبة في تلقي التمويل الدولي، بنى تحتية وتواصل متدني، قيود على الحركة، وكذلك تحديات شخصية ونفسية تؤثر على الإنتاجية والدافع. إن هذه العوائق تجعل الحياة اليومية صعبة، وتجعل من العمل في بناء السلام أصعب.
من تجربتنا وخبرتنا، فإن الجهات المانحة التي تمتلك المصادر والاستراتيجيات لتوزيعها في بعض الأحيان تعطي الأولوية لدراسة السياق وفهمه من أجل تنوير أنفسهم. وبالتالي، تُصرف طاقة أقل على ملاءمة المنافذ مع السلام، والذي بدوره يضمن الوصول للجميع بفعالية أكبر. وينتهي بنا المطاف بمعلومات أكثر حول ما يجعل الحياة صعبة، بلا استراتيجيات مستدامة كافية لضمان حصول من لديهم إمكانيات لبناء السلام على مصادر كافية لبناء السلام فعلاً
ما الذي يمكن فعله للتغلب على هذه العوائق؟
أولاً، يجب إيلاء المزيد من الانتباه إلى السياق الرقمي الناشئ وعلاقته مع السلام والنزاع. حيث نعتقد أنّ ذلك لا يعزز السلام وديناميكيات النزاع فحسب، بل قد يحمل في طياته الحلول لتجاوز هذه العوائق البنيوية أيضاً. ما هي مصادر التكنولوجيا المتاحة في هذا الفضاء؟ ما هي المنصات وطرق التواصل والتفاهم المناسبة للأشخاص، وكيف تختلف حسب سمات الراغبين في المشاركة في عملياتنا؟ كيف يمكن للحلول الرقمية أن تنطوي على سد الثغرة ما بين المانحين من النخبة وأدوار الفاعلين الدوليين في بناء السلام، وبين الموجودين على المحك ما بين النزاع والسلام
في بعض الأحيان، يأتي هذا مصاحباً لضرورة فكّ تعقيد ما نعتبره “تقنياً” ودوره في بناء السلام. غالباً ما يتم افتراض أنّ مستويات الوصول/ استعمال التكنولوجيا أقل مما هي عليه حقيقة. وهذا افتراض خطير، خاصةً مع وجود شبكات التواصل الاجتماعي. نعتقد أنّ إقصاء البيئات الرقمية، حتى في السياقات التي تبدو فيها محدودة، يقدم فهماً خاطئاً للسياق المستهدَف، ويفوّت فرصاً حقيقية لبناء السلام من خلال أدوات التكنولوجيا التي من شأنها تسريع وتضخيم عملية، بدلاً من تسليم مشروع ببساطة. يمكن للفاعلين الدوليين التغلب على ذلك من خلال ملاءمة المبادرات إلى حدّ يجعلها أقرب إلى الأساليب المتبعة مسبقاً في السعي نحو السلام رقمياً، وألا تبقى فريسة الافتراض القائل أن حلول التكنولوجيا معقدة للغاية بقدر يجعلها غير قابلة للتطبيق في معظم حالات النزاع وما بعده
نؤمن في بيلد أب بوجود عمليات مشاركة مثيرة ومتقنة ومناسبة في الفضاءات الرقمية، التي تمتد بين فضاءات الإنترنت وما دونه. وهي عمليات يمكنها سد الثغرات التي نراها حالياً بين المشاركة الدولية والتدخلات الفعالة لبناء السلام المقادة محلياً. لقد تمكنا من تسيير هذه العمليات، والجمع ما بين نهج الإنترنت وما دونه، مع موائمتها استناداً إلى مستويات الراحة في منصات الإنترنت في شبكاتنا. إنّ التكنولوجيا حافز مفيد، حيث أنها تؤمّن وصولاً إلى الفضاءات الرقمية للنزاع والسلام، ولكنه ليس مطلباً ضرورياً لكلّ تدخل لبناء السلام
ينبغي على الفاعلين الدوليين اعتبار التكنولوجيا نقطة وصول إلى عنصر مهم من السياق على نحو أفضل، بدلاً من اعتبارها عتاداً يمكننا قبوله أو رفضه في عملنا في بناء السلام